Le oui et le non (version arabe)

Traduit par Mohamed Darwish
MELMAN Charles
Date publication : 23/02/2018

 

Le oui et le non, Lire la conférence faite à Reims le 7 juin 1993 dans le cadre d’un travail de séminaire organisé par Annie Douce et J. Quilichini, publiée dans le Bulletin de l'Association Freudienne, n°61, 1995.

 

نعم ولا

شارل ملمان

  أحدثكم اليوم في موضوعٍ غريبٍ للغاية، يتعلق، فيما خلا بعض الحالات الاستثنائية، بالصعوبة الكبيرة   جدًا في تأكيد النفي في اللغة الفرنسية، أو بقولٍ آخر الصعوبة الكبيرة جدًا الموجودة في قول لاnon   ، وهو ما لا يعني أننا لن نساق لقول لا، فغالبًا ما نقول لا، وبصفة خاصة في العمليات العصابية مع الآخرين. ولكن ليس فقط؛ إذ يتصل الأمر بالمشكلات الأخلاقية وبأحكام الوجود. على كل حالٍ آمل مقدمًا أن أنجح في تشجيعكم على دراسة هذه المشكلة قليلة الارتياد والتي هي مع ذلك كنز مثير، وأرجو أنكم مثلي ستجدونها ثرية.

  سأستخدم وأرتكن في سبيل ذلك إلى نصين. تعرفون بالتأكيد واحدًا منهما وهو نص فرويد عن Verneinung  ،  "الإنكار" " Die Verneinung "(1) نص 1925 وهو شديد الاختصار، إذ يتكون من ثلاث صفحات في الطبعة الغريبة التي وجدته فيها. وسترون سريعًا جدًا كم المفارقات التي يثيرها هذا النص.

  أما النص الثاني فمأخوذ من السيدين داموريت وبيشون Damourette et Pichon  ، وعلى التحديد الجزء الأول من عملهما متعدد الأجزاء  "دراسة في قواعد اللسان الفرنسي 1911-1927، Essai de Grammaire de la Langue Française. وكما ترون فهو تقريبًا معاصر لنص فرويد، وبيشون كما تعرفون كان واحدًا من أوائل المحللين النفسيين في فرنسا. ويوجد في هذا الجزء الأول من عملهما فصل مثير للإعجاب عن النفي سوف أستخدمه هذا المساء.

  فلنبدأ إذن بالنص الذي نحن بالتأكيد أكثر ألفة به، نص فرويد  Die Verneinung . سأذكركم في إيجاز شديد بما يحكيه فرويد، إذ يقول لنا هذا: "حسنًا، فعندما يكون مريض مسوقًا في مستدعياته إلى إنتاج إنكارٍ، فيقول على سبيل المثال "هذه الشخصية في الحلم ..." فيقول المحلل "بمن تذكرك؟"، فيقول المريض "لا، بالتأكيد هي ليست أمي". هذا هو المثال الذي اختاره فرويد. وهو يقول لنا أن "هذا الإنكار يسمح لنا على وجه التأكيد بأن نعرف أن الأمر يتعلق على نحو فعال بأمه"(2)

  وبقول آخر فإن المفارقة التي قد تتبين لكم على الفور هي أنه ليس مطلقًا الإثبات الذي يأتي ليعطينا نوعًا من اليقين الذي هو محل السؤال، فلو أن المريض قال "حسنًا، نعم هذه الشخصية التي في الحلم هي بلا مجال للخطأ أمي"، فلن يكون بإمكانكم أن تعرفوا: ربما تكون هي، أو ربما ليست هي، ولكن طالما يقول "حسنًا، لا بالتأكيد هي ليست أمي التي أفكر فيها" هنا ستعرفون أنها هي من يسأل عنها، أي أمه

. __________________________________________________________

محاضرة ألقيت في رينس 7 يونيو 1993 في إطار عمل حلقة دراسية نظمها ا. دوس وج.توماس كيليشيني

                                                                                                                                                   

وكما ترون فإن ما يديره فرويد هنا هو قلب مثير جدًا للفكر لأن ما يشيد عنصر اليقين هنا هو الإنكار.

    حقًا هي نقطة مدهشة تمامًا لنا، ففرويد يشرح الأمر بالطريقة التالية: هذا الإنكار يسمح للمكبوت أن يعود إلى الشعور ولكن في شكلٍ، مادام مكبوتًا، يظل فيه مرفوضًا ويظل فيه مجهولًا، ومع ذلك فهو  ميكانيزم يثري الشعور لأنه يسمح بإمداده بمحتويات لاشعورية لم تكن حتى الحين في المتناول، بل مستبعدة.

    وثانية يذهب فرويد أبعد عندما يتناول في هذه الصفحات الثلاثة القبول الذهني للمكبوت، أقصد بذلك الحقيقة التي يجذب المحلل انتباه المريض إليها بقوله "كما ترى، إنك تقول أنها ليست أمك، لذا يمكننا  أن نفكر بوضوح أن ما ترفضه هو... هو بالتأكيد لم يأت إلى عقلك بالصدفة"، حسنًا، يقول فرويد أن القبول الذهني  للمكبوت أو بشكل آخر حقيقة أن المريض إذ يقر بهذا الاقتراح أي هذا الزعم من المحلل لا يعني أن المحتوى اللاشعوري قد قبل، ومن ثم فإن القبول الذهني هنا لا يكفي بعد.

  ويستمر في صفحاته الثلاثة عنVerneinung  فيخبرنا "ولكن لكي يمكن للإنكار أن يمارس يجب أن يدار إثبات أولي"، وبقول آخر فإن الإنكار dénégation  لا يمكن أن يعمل إلا على العناصر التي تكون قد عرفت أولًا، وحددت، وقبلت، إنها العملية التي تسمى(3) Bejahung  من الكلمة الألمانية والتي تعني ببساطة نعم Ja  والتي نقصد بها، كما تعرفون،oui  نعم. إذن  Bejahung  هي عملية إثبات، عملية إقرار. وهنا فرويد وعلى عكس الفلاسفة سيدير الموقف على النحو التالي: الفلاسفة يقدمون الحكم بالوجود jugement d’existence  على الحكم  بالحمل jugement d’attribution   وهو ما يجب علي أن أشرع في تفسيره على الفور فيما يلي، يقول فرويد "لا! إن ما يبدأ هو الحكم الأول للإثبات أي الحكم بالحمل"، أي بقول آخر أنا لا أبدأ في التعرف على ما يعتبر عنصرًا إيجابيًا إلا فيما أجده جيدًا، وما أجده من جهة أخرى سيئًا سأرفضه. يقول فرويد "إذن الحكم بالحمل على الكيفية الجيدة والسيئة يسبق عملية ذهنية أخرى"، وهي في تلك المرحلة الثانية التي سيمارس فيها الحكم بالوجود، فيطرح السؤال التالي: كل ما ظهر لي جيدًا، هل سأجده ثانية؟ أو بشكل آخر، هل يوجد هذا في الواقع؟  هذا الذي بدا لي جيدًا في الأول، هذا الذي بدا لي جيدًا...إنه يمكن أن يكون أخيولة أو هلوسة أو حلم. وهكذا فإن الحكم بالواقعréalité   أي الحكم بالوجود يتشكل في عملية من لم الشمل retrouvaille (4) معنية بمعرفة ما إذا كان موضوع ما ينتمي إلى حقل الواقع، أي معنية بإعادة إيجاده. ولم الشمل هذا هو ما يسمح لي بالدخول إلى حقل الواقع ومن ثم أحمل عليه وجودًا.

  ها أنتم ترون كيف قدم لنا فرويد في صفحات قليلة جماع مشاكل أساسية وأولية تمامًا، ولكي لا نخاطر بأن تبدو هذه المشاكل شديدة التجريد سنسعى إلى معرفة ما يمكن أن تضيفه الجوانب العيادية بخصوص ما سبق، وبوسعي أن أقدم أمثلة مختلفة ومتنوعة ولكني سأختار مثالًا لا شك لدي أنكم تصادف وقابلتموه وعلى الأخص أولئك المنشغلون بينكم بالطب النفسي، سأتناول متلازمة قوية شيقة تسمى متلازمة كوتار Cotard  عزلها طبيب نفسي فرنسي وقدمها في ندوة  للطب النفسي في بلواه Blois عام 1882.

  إن متلازمة كوتار هي حالة تتمايز تمامًا عن الميلانكوليا بالرغم من كونها تشبهها، وقد عرف كوتار كيف يفصل الواحدة عن الأخرى فميز هذه المتلازمة بالتالي: عندما يؤكد مريض أو مريضة أنه لم يعد عنده قلب ولا فم ولا معدة ولا أمعاء ولا شرج ولا ضغط دم ولا تنفس، حتى يصل في النهاية إلى أن العالم نفسه لم يعد له وجود، وهم محكوم عليهم، وهو ما قد يبدو لنا غريبًا، محكوم عليهم بأن يعيشوا إلى الأبد، أريد القول أنهم لم يعودوا فانين ويبدو لهم أن هذا غير قابل للاحتمال إطلاقًا، فالحكم عليهم بالحياة الأبدية هو نوع من الموت، أي موتهم أحياء. وسأتجاهل أن لم يعد لهم أسم...الخ .

   تحدث هذه الظاهرة عادة عند الأشخاص المسنين، إلا أنها تصيب أحيانًا بعض الشباب، على سبيل المثال عقب تدخل جراحي ذو دلالة رمزية مثل استئصال الرحم أو استئصال الثدي. إني أتذكر حالة متلازمة كوتار كان على منذ وقت قليل أن أنشغل بها، وقد كانت حالة مميزة من حيث علية المرضétiologie ، إنها حالة شاب كانت معاناته تدور حول أنه صار مخلدًا، فكان يقول "دكتور انتبه! فكوني مخلدًا هو شيء مخيف ورهيب، إنه أسوأ الأشياء التي ممكن أن تحدث لك"، وكان يعاني من عنصر ثابت فيما يخص متلازمة التوهم المرضي مرتبط بتفاحة آدم، فكان يقول "عندما يشاهد الناس تفاحة آدم الخاصة بي يلاحظون على الفور أن هناك شيء ما ليس على ما يرام". إن هذا هو ما ذكرناه مسبقًا، وهو ما يجعلنا نفهم الأمر على أنه مخاوف تتعلق بذكورته وقدرته الجنسية. والعلية المرضية عنده تبدو لي شديدة التشويق لأنها تتعلق برجل قبائلي وابن صف ضابط فرنسي قبائلي مات أثناء الحرب الأخيرة، مات لأجل فرنسا، ولم يندرج أو يتأتى له أن يشارك في أي من الثقافات الثلاثة المتاحة له: أولًا الثقافة القبائلية بالطبع، والثقافة العربية -وتعرفون الصعوبات القائمة بين القبائليين والثقافة العربية- والثقافة الفرنسية، وقد أظهر هذا الرجل الذي وجد نفسه كما لو كان خارج الأرض قليلًا معلقًا فيما يخص انتمائه مظهرًا متلازمة كوتار أصلية.

   ابتدأت بأن ذكرت لكم كيف أن قول النفي  في اللغة الفرنسية  عملية شديدة الصعوبة، وسوف أنطلق من هذه النقطة فأعطيكم مثلًا حيث لا يوجد مع ذلك نفي أكثر إحكامًا وأكثر ثباتًا وأكثر رسوخًا، أي كما أقول نفيًا لاديالكتيكيًا تمامًا وكليًا، أريد أن أقول أنه عنصر لا تستطيعون على الإطلاق أن تطعنوا فيه أو تناقشوه عند مرضاكم. حسنًا، إن ما أتحدث عنه هو مثل لطراز من النفي شديد الوضوح  سيخدمنا في إظهار وشرح لماذا يكون على التحديد من الصعب جدًا على الكائنات المتكلمة parlêtres(5) المعتادة، أي العصابيين، قول النفي في اللغة الفرنسية، فما نريد أن نظهره عند هذا النوع من مرضى متلازمة كوتار هو ذلك الذي يؤدي بالتحديد إلى هذا القصور، وهو شيء ما قد تم إبرازه في هذه الأيام الدراسية الحالية التي أجريت في سانت آن والتي ينظمها البروفيسير باومستيملر ومارسيل سيزرماك وجورج كاشو، والتي خصصت لهذه المتلازمة. إن ما أريد أن أقوله أن ما يؤدي إلى قصور في الكوتار هو على وجه التحديد  السلطة التي تسمح بوقوع Bejahung  ، أي تلك التي تسمح لنا بالدخول إلى حقل الإثبات. وهذه السلطة، والتي لن أعالجها الآن، قابلة على كل حال للتحديد بإتقان في نظرية التحليل النفسي. وبالمثل تسمح لنا  الظروف العلية المرضية للمتلازمة بأن نحدد لماذا تؤدي إلى إحداث القصور، فأن ندخل إلى عالم النعم أي الإثبات، عالم "يوجد جيد" في الزمن الأول، "يوجد شيء ما جيد"، فهذا يعني أن الكائن المتكلم الصغير، أي الطفل الصغير، صار له بشكل ما مدخل إلى هذه السلطة الآمرة والتي تدير هذا التقديم  لعالم الكيف ومن ثم للإثبات الأولي.

  وربما علي أن أقرر لكم على الفور أن هذه السلطة حتى وإن كانت نتاج عملية عشوائية تمامًا، وهو ما سيتضح فيما يلي، هي السلطة الفالوسية Instance phallique (6) التي يصوغها لاكان في جبره فاي الكبيرة  Φ. ويجب أن يكون للطفل القدرة على استيعاب تلك السلطة كي يدخل إلى حقل "يوجد جيد" وصولًا إلى ما يلي حين يطرح السؤال عن "هل يوجد هذا ؟"، أو بقول آخر"هل سأجده ثانية؟". 

  ونستطيع أن نرى هجرانًا من تلك السلطة المذكورة عند مرضى الميلانكوليا،  وكذلك عند هذا النوع من المرضى |يقصد مرضى متلازمة كوتار|-وربما يكون هذا بفعل السن كنتيجة على سبيل المثال لتضاؤل الوظائف العضوية- لأن هجران هذه السلطة المذكورة من الممكن أن يؤدى إلى إعادة تقديمهم إلى نظام لم يعد فيه شيء له وجود، وليس فقط أنه لا يوجد شيء جيد، أي حيث لم يعد هناك شيء له وجود بما فيه هم أنفسهم. وطالما أن هذه السلطة قد اختفت فسيجعل هذا من أي منا النموذج الأولي سريع الزوال لنمط  ما، فهي التي تقدمنا إلى حلقة هي حلقة حياتنا ذات البداية والوسط والنهاية، ولذا عندما تصل السلطة المذكورة إلى الاختفاء فإن هؤلاء المرضى يصيرون سرمديين، أي بقول آخر، في الوقت ذاته إذا كان بُعد التقدم إلى الحياة يعاني قصورًا،  فبعد الموت سيعاني في نفس الوقت ذات  القصور، وهكذا إذن فإن الحكم بالحياة ميتًا هو عذاب لانهاية له. ها هو معْلَم عيادي مأخوذ من متلازمة كوتار.

  سأدع هذا للحظة كي أتناول نص اللغويين النحاة... وأسمح لنفسي بأن أذكركم بأن عمل داموريت وبيشون هو عمل يتمتع بأقصى درجات التقدير عند النحاة واللغويين، فهو ليس على الإطلاق عمل هواة،  ولي أن أقول أنهم يشيرون إليه بأقصى درجات الاحترام وبصفة خاصة فصله عن النفي .

  إذا انتبهتم إلى طريقة عمل النفي في اللغة الفرنسية ستندهشون من معرفة ما يقرره لنا كاتبينا حين يقولان أن: النفي في اللغة الفرنسية استعار بمنتهى البساطة" non " اللاتينية والتي أصبحت في الفرنسية "ne"، والمفاجأة هي معرفة أن "non" هذه المستعارة من اللاتينية والتي يجب أن تفرق بشكل واضح بين ما هو إثبات وما هو نفي، وهو شيء منطقي بما فيه الكفاية- وكما تعرفون فإن المناطقة يكتبون النفي على سبيل المثال بشرطة فوقه، فهم يضعون حرف "أ" وخط فوقه بمعني "لا أ" أو "أ الصغيرة خطأ"، وهكذا لسبب ما في اللغة لا يتأتى للنفي أن يعبر عنه بنفس البساطة- هذه هي المفاجأة الأولى: أن "non" هذه المأخوذة من اللاتينية والتي أصبحت في الفرنسية "ne" بغتة وبطريقة ما يكون لها قيمة إثباتية(7).

  بمعنى أن استخدامها في سياق ما يكتسب بغتة قيمة إثباتية، مثال: إذا أردت أن أقول "أخشى أنه قد يأتي" "Je crains qu’il vienne"  أستطيع أن أقول "أخشى أنه قد يأتي"، ولكن هذا سيترك معلقًا بالرغم من كل التأكيدات منطقة لعدم اليقين: هذا محتمل، إنه محتمل ولكننا لا نعرف أبدًا. ولكن إذا قلت " أخشي أنه سيأتي" " Je crains qu’il ne vienne "، فإن ne  هذه والتي تحمل أصلًا معنى النفي تأتي هنا على وجه غريب لتعزيز إثبات سبب خشيتي. في مكان " Je crains qu’il vienne" تكون " Je crains qu’il ne vienne ". إن الإحساس الذي نستمده من اللغة يجعلنا حساسين للفروق الضئيلة التي لا تكاد تدرك.

  "أخاف أنها قد تمطر"، آه اتفقنا، "أخاف أنها ستمطر"، لا أحد يفهم هنا الوحدة النحوية taxième، أي العلامة المميزة للنفي التي تأتي لتقدم شيئًا آخر وهو الإثبات (7).

 لا بد أنكم ستقولون لي "أليس كل هذا في النهاية هشًا قليلًا؟". حسنًا، هذا قليل جدًا إذا تذكرنا أنه لكي نعبر عن النفي فلابد وأن تقدم اللغة الفرنسية على تعزيز ما، أي  تضاعف ne هذه بواسطة وحدة نحوية أخرى تأتي لتؤكد أن ne  هذه هي الخاصة بالنفي، حتى لا يمكن أن نفهم أنها ne  التي تأتي على العكس لتعزيز الإثبات. وإذا انتبهتم قليلًا إلى ذلك فستلاحظون أن هذه الكلمات التي تأتي في الفرنسية لتأكيد ne والتي سوف تضاعفها مثل ne ….pas و ne ….jamais و ne…..rien. هذه الكلمات التي تأتي لتحقيق هذا الغرض مثل pas  و jamais   و rien هي كلمات غريبة للغاية، حسنًا سأمر سريعًا على rien  فمن الواضح أنها "الشيء"  res. ومن أين تأتي "pas" ؟ حسنًا، فإن pas هي "الخطوة" التي نقوم بها، فعندما نريد أن نقول في الفرنسية القديمة إنه لا يتقدم " Il n’avance pas "، نقول إنه لا يتقدم خطوة " Il n’avance un pas"، وهكذا أصبحت pas  وحدة نحوية للنفي.

   أما " jamais"  فهي أيضًا أكثر غرابة لأنjamais  هي"déjà " من قبل، نستخدم منهاjà   ثم  mais من magis   والتي تعني plus   أكثر، ويمكنكم أن تجعلونjamais  تدخل على الكثير من العبارات والتي لها فيها معنى واضح، ويمكنكم أن تجعلوها تعمل بمعناها الإيجابي. وبالإضافة إلى ذلك فإن jamais   نفسها تضاعف باستخدام  plus  عندما تقولون jamais plus  (نهائيًا)، وهنا ترون مرة ثانية plus  التي تأتي من magis  التي تضاعفونها بقولكم jamais plus  . وأشير كما أحب أن أفعل في كل مرة إلى الجانب الموجب جدًا، أي إلى تلك الكلمات الأكثر إيجابية التي كانت موجودة في الفرنسية، والتي لم تعد تستخدم  كثيرًا مع الأسف، وهي خسارة حقًا مثل كسرة وقطرة ونقطة: "أنا لا أرى قطرة في"، "لا يوجد كسرة في"، "أنا لا أرى نقطة في".

 ها أنتم ترون على أية شاكلة تأتي هذه الدوال المستثمرة بإيجابية لتأكيد الذي قد يكون نفيًا لا يشبه أبدًا...من الخارج هذا الذي لكوتار الذي تحدثت عنه للتو، أي عندما يأتي محدثًا قصورًا في سلطة  Bejahung  أي الإثبات، أو بمعنى آخر في نظام أو في عالم هو مثبت بالنسبة لنا، أي مرمز-إذا أردنا أن نسترجع مصطلح لاكان- فيواجه النفي الصعوبة الكبرى في أن يقال.

  يحدث أن تأتي القواعد اللغوية لتوضح لنا بشكل مباشر ما نقابله من جهة أخرى في عياداتنا، أريد القول بأن حكمة اللغة وذكائها هي فيما شاهدناه من قبل تسبق، إن جاز لي القول، كل ما يمكن أن نأمله، وعلى سبيل المثال ها هي العبارة التي ينهي بها داموريت وبيشون فصلهما المخصص للنفي: " يبدو لدينا إذن أنه من الراسخ أن مفهوم النفي ..."استمعوا جيدًا "... هو في الواقع غائب عن التفكير اللغوي لفرنسية أيامنا هذه ... "هل استمعتم؟"... ولكن هذا الإقرار بعدم الاتفاق بين المنطق اللغوي والمنطق العقلاني  المنهجي ما كان ليكون له إلا قيمة فقيرة إن لم يكشف لنا أنه يوجد في الفرنسية مفهومان حيان دقيقان ثريان تمامًا بالمزايا يؤكدان ويتجاوزان مجال النفي، وهما الوحدة النحوية للمخالفة discordance  وهذه التي للنبذ forclusion"(8). ولن أطور هنا الوحدة النحوية للمخالفة وهيne  التي أظهرتها للتو في  Je crains qu’il ne vienne  والوحدة النحوية للنبذ وهي ne …pas  التي أظهرتها أيضًا للتو.

  أستطيع أن أقول "أحب"، أو أستطيع أن أقول "لا أحب"، ومن الواضح أنهما ليسا نفس الشيء، ومع ذلك هاهما شخصان حسنا التكوين العلمي، ويا إلهي، شديدا الثقافة، يقولان لكم "يبدو لدينا إذن أنه من الراسخ أن مفهوم النفي غائب في الواقع عن التفكير اللغوي لفرنسية أيامنا هذه"، وجل النحاة واللغويين المعنيين بهذه القضية ... يمكن أن أتناول على سبيل المثال هذا الشخص الذي يسمى تسنييرTesnières(9) لا أعرف ما إذا كنت ذكرته لكم... ولكن جل اللغويين يعودون إلى نفس النتيجة. يوجد على سبيل المثال عمل شخص يدعى جاتون Gaatone والذي كتب جزءًا أو أطروحة عن النفي في الفرنسية والتي تشرح كيف أن القواعد في الفرنسية لا تصدر النفي ...أريد أن أقول أن النفي يرتكن إلى وحدات سميائية sémantèmes  ولكن لا يوجد له نحو syntaxe  ، ويوجد إجماع على هذه النقطة وتلك المشكلة بين النحاة المتخصصين.

   وما دمتم مهتمون باللغات الأجنبية، فها هي على سبيل المثال الروسية. وقد استمعنا حديثًا لعرضٍ للغوي أظهر كيف يعمل النفي في لغات متعددة، وقد أظهر كيف أن النفي في الروسية ببساطة ليس مضاعفًا كما في الفرنسية ne .. pas ، بمعنى الحاجة إلى التأكيد كل مرة، والإثبات كل مرة، أنه نفي واضح. ولكنه نفي ثلاثي ورباعي، فإذا أردتم فهم النفي في الروسية فعليكم التشبث مقدمًا بما في الفرنسية.

  لماذا يهمنا هذا إذن؟ إننا نستطيع بعد كل شيء أن نفسر هذه الحقيقة من خلال المثال الذي أعطانا إياه فرويد في مقاله، والذي تكون كل عواقبه العملية مهمة وضخمة بوضوح لأنها قد تستطيع أن تقودنا إلى أن نكون أكثر قليلًا انتباهًا وأكثر قليلًا حرصًا عندما نتعامل مع نفي، وأن نعرف ما إذا كنا مع النفي ... فائزين وما إذا كنا علي يقين من كوننا "خالصين" ولي أن أقول من كوننا "أطهارًا".

  فلننتقي على سبيل المثال نفيًا يبدو بسيطًا وأوليًا. ولنبدأ، إذا سمحتم لي على طريقة فرويد في عمله عن الدوافع، 1905(10)، باستعراض القضية التي يطرحها: ما هو حسن يمتصه الطفل، إنه Bejahung  ، الذي تحدثت عنه للتو، وما هو سيء يبقيه في الخارج. إذن فما يبقى في داخل الأنا هو هذا الذي هو حسن، والسيئ هو ما يكون في الخارج، هذا ثانية هو ما يقوله لنا في هذه المقالة عن  Verneinung، أي نفس الإجراء.  ومن الغريب أنه لا يلاحظ أن هذا النوع من النفي الذي يفصل إذن بين داخل حسن وبين خارج سيئ -والذي سأسميه على الفور نفيًا من النمط المتخيلimaginaire  ، لأنه النفي الذي يفصل  الفضاء بين  جزيرة الذي هو حسن في الداخل وجزيرة الذي هو سيئ في الخارج- وهو بعد كل شيء نفي ينتظم بالأحرى على نحو بارانوي، فما هو سيئ ليس أنا، إنه هذا الذي في الخارج، وكل ما هو حسن يكون في أناي، إنه هذا الذي أمتصه. وللحق فإننا يمكن أن نتعجب قليلًا من أن فرويد يؤكد على انتصاف الفضاء الذي يوجب أن يكون السيئ في الخارج والحسن محجوزًا في الداخل. والحق أنه من الممكن ذاتيًا وجود مثل هذا التنصيف والذي حدسيًا يمكن أن أقول أنه يمارس تلقائيًا تمامًا، ولكنه مؤسس على إدراكٍ إقليدي للفضاء، فضاء مسطح له حدود وتقسيم، حيث يوجد الجيد على جانب والسيئ الذي يكون للآخر على جانب، وأقول أن هذه خطوة لن تكون هي نفسها بريئة. على أية حال فلنتمسك بأنه يوجد إذن نفي نستطيع أن نسميه متخيل، لأنه مؤسس على إدراك حدسي للفضاء طالما كان هذا الفضاء ثنائي البعد، بمعنى أننا نوضع داخل هذا الفضاء كما لو كان  ثنائي البعد أي إقليديًا.

  نتحدث إذن عن نمط آخر من النفي، هذا الذي يمارس هذه المرة داخل الحقل الرمزي، أو بقول آخر هذا الذي من الممكن أن يقع في المرة التي أقوم فيها بإثبات، والذي لا يكون إلا عملية رمزية وليس استدماجًا متخيلًا خالصًا. أي الذي استطيع بإتقان أن أصوغه منفيًا، فإن قلت "أحب البرقوق" فعلى الفور سيكون لدي احتمالية قول أني لا أحب البرقوق. ها هو نفي مسالم وهادئ. ماذا يمكن أن أحكيه مع كل تعقيداتي التي فرغت منها من قبل؟ هذا شديد البساطة.

  شديد البساطة، إلا أنه يوجد هذا العمل الذي أثرته للشروع وللبدء، عمل فرويد الذي يقول لنا : "إذا قلت "أحب" فلن نعرف الكثير، فهو قول مثير للشك". فلأعطكم مثالًا يعبر عن هذا بدقة، يعبر عن إمكانية الشك عندما أقول "لا، لا أحب"، لأننا ها هنا من الصعب أن نعتقد أنه يتعلق بإثبات حقيقي. فلنتناول إذن مثالًا أقل تفاهة من هذا المتعلق بالبرقوق سيء الحظ، سأقول "أحب البنات"، هذا هو الإعلان الذي أقدمه لكم هذا المساء، "أحب البنات"، ما رأيكم فيه؟ ماذا يجب أن يكون رأيكم فيه؟ ( أحاديث في القاعة ) يا لها من شجاعة ؟" اتفقنا، على أية حال إذا قلت "أحب البنات" نعم...هذا حقيقي... باه ! نحن لن نعرف أبدًا، فمن الممكن كما نقول أن الأمر دفاعيًا وربما يخفي هذا في النهاية أشياء... هيا نعرف! لأنه يوجد العديد من مؤلفي التحليل النفسي الذين توصلوا إلى أن حب البنات لا يكون إلا نوعًا من الدفاع ضد الدفعاتpulsions (11)... هيا اعرفوا أيهم! هل أستطيع أن أعرف بعد كل هذا؟

  سنتناول الجانب الآخر، سأقول: "لا أحب البنات"، سنقول أنه بعد كل شيء ربما يكون حقيقيًا، ها هنا يوجد إذن بالفعل شيء ما يبدو أكثر قليلًا تأصيلًا لحقيقة النفي، ولكنه ربما يكون ثانية نفس الشيء كقولنا "أحب البنات"، فربما يكون أيضًا دفاعًا أو عذرًا أو شكلًا من أشكال الحماية، فربما يكون(12) متهمًا والله أعلم في إشاعة عامة أنه ديك القرية... الخ، فيقول "أنا لا أحب البنات".

  ستقولون لي: "ولكن حقيقة في هذه الحالة لن نعرف أبدًا" والذي هو مع ذلك ليس حقيقيًا، إذ لو كان الأمر كذلك لكان محكومًا علينا بنوع من الشك المؤبد الدائم. "هيا نعرف" فلا بد أن المحللين النفسيين لا يفهمون الأمر على هذا النحو، بل على العكس يبدو حتى أنهم يمتلكون قليلًا من اليقين، وأحيانًا يعرفون بكثير من السهولة متى يوجد الظرف الذي تكون فيه هذه الصيغة "لا أحب البنات" حقيقية، فمن الواضح إذا كنت على سبيل المثال أحب الأولاد فمن الحقيقي أني لن أحب البنات، سأقول "لا أحب البنات بسبب... بسبب... أني أحب الأولاد". ها هو مثال يخرجنا تمامًا من التعارض، هذا هو نوع من القول بالنفي والذي يكافئ مع ذلك اليقين.

  يجب أن نسترجع هذا العمل للغوي الإنجليزي أوستين Austin (13)والذي كتب مصنفًا كاملًا معنونًا "عندما أن تقول هو أن تفعل"،وستجدون فيه نوع الصيغة الذي يكون مناسبًا في هذه الحالة للسياق ويكون حقيقيًا تمامًا.

 ألا تسوقنا هذه الصيغة إذن إلى بعد ثالث من النفي؟ لقد كان لنا حتى هذه اللحظة النفي المتخيل، وكان لنا النفي الرمزي "أحب–لا أحب".

  "أحب" نحن لن نعرف، إلا أن "لا أحب" ربما قد تكون أكثر تمييزًا للحقيقة، ومن ثم سنتجه إلى نفي والذي ليس فقط لا سبيل للشك فيه ولكنه أيضًا مناسب للسياق، ويجب القول أن هذا النفي الثالث يجد يقينه من... و يحصل على يقينه من...من ماذا ؟ إنه يأخذ يقينه من النبذ، بمعنى الرفض في الحقيقيréel  ، بمعنى أنه في الشكل الأخير الذي أثرته للتو يوجد بالتأكيد شيء ما... فطالما أنني أقول العبارة يوجد شيء يسقط في الحقيقي والذي لا أستطيع أن أستمع إليه يتكلم،  أنا لا أعرف ما هذا ولكنه منبوذ في الحقيقي، إنه شيء ما لا أحبه والذي من عواقبه أنني لا أريد البنات. ولهذا عواقبه على سلوكي.

  هنا في هذه المنطقة يأتي تقدم معين مقدمًا نفسه في النهاية ورافعًا قليلًا التعارض الذي حاولت أن أكلمكم عنه حتى الآن، من أين يأتي هذا التقدم؟

  إنه يأتي من هذا: لكي يقع إثبات ولكي لا يبقى هكذا معلقًا في التردد وفي التراوح وفي الشك وفي الإبهام...الخ يجب أن يكون مدموغًا بنفي يأتي من الحقيقي، حيث يوجد هناك شيء ما من الحقيقي يأتي مؤكدًا وبشكل ما يأتي مثبتًا للنفي والذي، إذا جاز لي أن أجرؤ على التعبير، يعطيه قوته ويعطيه وزنه، وها هو وبشكل ما مفاجئ يجعلنا نفهم هذا الذي حكيته لكم عن ne هذه الخاصة بداموريت وبيشون، أخشي أنه سيأتي "  Je crains qu’il ne vienne"،  فإذا قلت لكم أخشى أنه قد يأتي "Je crains qu’il vienne  "،   ها هما عضوي الجملة واللذان ينتميان الواحد والآخر إلى الحقل الرمزي: " أخشى " "  Je crains " و "أخشى أنه قد يأتي" " Je crains qu’il vienne  " و التي تعني ...نعم(14)، "أخشى أنه قد يأتي" « Je crains qu’il vienne " ربما بعد كل شيء أنني أمزح سرًا، اذهبوا! اعرفوا! " يسعدني أنه قد يأتي" أقول هذا ولكن إذا قلت "أخشى إنه سيأتي"Je crains qu’il ne vienne" ستأتي ne من الحقيقي بشكل غريب لتعطي كل وزنها وقيمتها كحقيقة ويقين لتأكيدي الذي لولا ذلك لبقى معلقًا.

  إذن هو الحقيقي، وربما حديث هذه الليلة هو شكل من أشكال توضيح الفئات الثلاث اللاكانية المتخيل imaginaire  والرمزي symbolique والحقيقيréel، ولكن الحقيقي هو بُعد غريب تمامًا لأن الحقيقي هو هذا الذي يقول دائماً "لا" non ، "لا" لكل مزاعمكم، "لا" لكل تأكيداتكم، "لا" لكل استيلاء على السلطة، الحقيقي هو هذا الذي يقول "لا" لكل من يريد أن يأمر، إنه يقول "لا". وبواسطة "لا" هذه التي، لي أن أقول أنها، تأتي في نفس الوقت لتأكد حقيقة الإقرار الذي يأخذ بعين الاعتبار لا الحقيقي، أي الذي يقول لا الحقيقي، أي الذي ينبني ويتأسس على لا الحقيقي، وهذا هو الغريب.

  لقد حدثتكم للتو عن متلازمة كوتار، ومرضى هذه المتلازمة هم مرضى يظهرون حقيقيًا خالصًا والذي يأتي ليقول بشكل ما "لا" لكل ما يمكن أن يفترض وجودًا، وهو قصور في السلطة التي تحدثت عنها للتو، أي هذه السلطة الفالوسية التي تأتي لتقول "يوجد ما هو جيد. يوجد جيد"، لا أجرؤ أن أقول...جيد، "يوجد جيد".

  ولتوضيح هذا الموضوع سأحاول أن أريكم كيف أن هذا يلقي بالضوء على الدراسة العيادية للوسواسي في لحظة لا يمكن إهمالها.

  إن الوسواسي هو شخص تعذبه  للغاية مشكلة الإثبات والنفي، إلى الدرجة التي من الممكن أن يصل فيها إلى هذه اللحظة الحصرية الكارثية التي لا يعود عندها يعرف حقيقة ما هو إثبات وما هو نفي، وكما تعرفون فأنا أوجهكم إلى رجل الجرذان(15)؛ إنه لم يعد يعرف إذا كان عليه أن يرتد إلى الإثبات، أم يرتد إلى النفي، أم يثبت النفي، أم ينفي المثبت، إنه لم يعد يعرف على الإطلاق، بمعنى أن الوسواسي هو هذا الذي فقد كل يقين، الذي فقد كل ما يمكن أن يأتي ليضع الوزن الذي للإثبات بنفس قدر النفي.

  الآن، ماذا يحدث في العصاب الوسواسي؟ إن الوسواسي يخضع لنوع من النبذ (يمكن أن نسميه شيء ما مثل هذا)، وقد صاغه لاكان هذه الصياغة المحيرة، "نبذ الخصاء". إن هذا يبدو شديد التجريد: كيف يمكن أن ننبذ الخصاء؟ إن الإجابة تكمن فيما أثرته لكم للتو عند تناولي لمتلازمة كوتار عن موضوع السلطة التمثلية  للخصاء والتي هي الفالوس، إذن يمكننا أن نقول أن الوسواسي ينبذ السلطة الفالوسية،  بقول آخر إنه يمارس على هذه السلطة المذكورة "لا" الأكثر نفيًا، والأكثر راديكالية التي من الممكن أن توجد، "لا" الحقيقية، علاوة على هذا فإن هذا الذي للنبذ: إني ألفظه خارجًا، لا أريد أن أسمعه يتكلم، إني أرفض ما يمكن أن يرَمز، فأنا أريد عالمًا مرمزًا تكون فيه هذه السلطة المذكورة مرفوضة.

 المشكلة هي أن ما ينبذ من الرمزي يعود إلى الحقيقي، وهو الذي حدده لاكان بوضوح، وبعودته إلى الحقيقي يكون الوسواسي معرضًا إلى هذا: إن ما يعود إليه من الحقيقي يكون في شكل هذه الإنذارات التي تعرفونها، وهذه الأوامر وهذه الأفكار التي تبدو له شاذة، يعود في شكل مقلوب، وهو على التحديد هذا الذي قد سبق ورفضه. إنه أعتقد أنه قد تخلص منه، وفكر أنه قد فاز بنوع من النقاء، والبراءة، واكتسب سلامًا أخلاقيًا معينًا وأنجز أدبيات معينة، ولكن يعود كل هذا من الحقيقي في شكل أوامر قد تكون شاذة وفاحشة أو إجرامية.

  قابلت بعد الظهر هذا سيدة مقبولة جدًا وذكية جدًا، وقد كانت(16)     » «   حقيقة هذا النوع من العرض الوسواسي المتكرر إلى حد بعيد والمنتشر إلى حد بعيد: وهو خشيتها أن تُحْدث الأذى لرضيع. معتاد! ونحن إذن مجبرون أن نتساءل: ماذا يجعل هذا العرض منتشرًا ومعتادًا؟ من أين يأتي هذا الصنف من الإطراد وهذا النمط من التكرار؟ لماذا تحدث الأذى لرضيع؟ في قصة رجل الجرذان كان إحداث الأذى للجدة. كانت الفكرة الوسواسية "اذهب احضر شفرة...". لم تكن فكرة، بل كانت أمرًا."اذهب! أحضر شفرة ومزق عنق الجدة!". لم تكن الجدة، كانت أم... أم هذه التي أحبها، حسنًا، ولكن الرضيع وكذلك الجدة لهما قيمة كعناصر، على وجه التحديد، عبر سلسلة الأجيال،  بمعنى أنهما، الجدة وكذلك الرضيع، ليسا إلا ممثلين لهذه السلطة الفالوسية التي تناولتها للتو، ولي أن أقول أن هذا هو الذي يسبب فتنة وسحر الرضيع، وهذا ما يجعل الرضيع بهذه الهالة، هذه الهالة المقدسة، الرضيع... سموه الرضيع، إننا لا نحترم أشياء أضخم، ولكنننا نحترم الرضيع مع ذلك، حسنًا.

 أنتم ترون في هذا العرَض الوسواسي وفي هذه الفكرة الوسواسية التي أثرتها للتو العودة بواسطة الحقيقي بحيث لن يكون على هذه الفكرة إلا العودة مُمَزِقةً ممثل وشاهد هذه السلطة الفالوسية  إلى الخارج، بمعنى تدميره، وهو يعود من الحقيقي في شكل العملية التي افتقدها الوسواسي نفسه، لأنه يعود من الحقيقي في شكل هذه الفكرة الشاذة الحوازية.

  لماذا أقول لكم هذا؟ لأجذب انتباهكم بالضبط إلى واحد من أكبر مآزق نسقنا، أفكر في هذا الذي للغة، الذي ينتج الرفض الذي يمكن أن يكون الأكثر جذرية، أي هذا الذي يتشكل في صيغة نبذ، الرفض في الحقيقي، رفض الترميزية. فما يرفض هو لسوء الحظ في عواقبه وبعواقبه سلسلة كاملة من الاعتبارات التي تستحق من هذا المنحى أن تتناولها الإيطيقا والأخلاق وآدابنا،  تستحق أن نتأملها أفضل، تستحق أن نأخذها في الاعتبار أفضل لأنها عملية خاسرة. وهذا يسمح لنا بأن نعود لما قد قلته للتو: لماذا النفي في اللغة عملية - إذ يدرك النحاة في نفس الإطار، مثلهم مثل اللغويين والمحللين النفسيين، أن النفي عملية ليست ممكنة، بقول آخر، نحن لدينا كل الاهتمام لأن نكون في منتهى الحرص في كل ما يكُون نبذنا ورفضنا وتنصلاتنا وعقابنا وأسلوبنا في التمزيق والفصل و...عارفين أنها عمليات، حتى وإن كان المتخيل يؤيدها كما أشرت- ناقصة وخاسرة. وبما أننا نتساءل عن طيب خاطر عن إيطيقا فرويد فلي أن أقول أنها تبرر تمامًا بدءًا من هذه العواقب الغريبة جدًا، والاستنتاجات الغريبة جدًا، والتي تكون اقتصاديًا... أكثر إثراء للنفسية ، وكذلك تكون هذه الإيطيقا أكثر حرصًا وأكثر حكمة في قبول ما هو موجود، بمعنى ما هو قابل للترميز، وما قد رمز، على عكس ما نفعل جميعًا حين  نبدأ من حقيقة أوضاعنا الإتيقية والأخلاقية، وهي أكثر حكمة مما نفعله حين نرغب في أن نقتطع منا وأن ندخل في هذه العملية...وأن نكون بالتالي مثل الحيوان الذي يدور في كهفه والذي يدير عجلته دون أن نصل أبدًا إلى التخلص منها.

  ولكي أعيد تناول الموقف باختصار شديد سأجمعه لكم في جملتين. إنه من الرائع أن نلاحظ حكمة اللغة، وأنا لم أعطكم حقيقة إلا لمحة بدائية والتي قد تكون الأكثر محدودية فيما يمكن أن يوجد. وأنا أحفزكم بأن تذهبوا وتتناولوا هذه المقالة لداموريت وبيشون، الكتاب لم يعد موجودًا ولكنكم يمكن أن تصوروه فهو موجود في كل المكتبات، ستجدون الأمر بالكامل، وأستطيع أن أتناوله إن كان هذا يسركم.

فعلى سبيل المثال : قلت لكم للتو أن ne في Je crains qu’il ne vienne  هي  ne التي تأخذ قوتها الإثباتية هنا من كونها آتية من الحقيقي كما يقول لاكان. وكما ترون يوجد عند داموريت وبيشون صفحتان يوضحان لنا فيهما كل الفارق، أليس كذلك؟ متى أستخدم ne هذه ومتى لا أستخدمها. وعلى سبيل المثال سنتناول هذه العبارة لأناتول فرانس، فالكتاب مفضلون للغاية عند تناول الأمثلة، فهذا يعطي الرغبة عند كلٍ ليغوص في سلسلة من القراءات، وسبب آخر لفعل ذلك وهو أنه منذ فونتنل  Fontenelle وموليير وليون فرابيه Léon Frapié وميشيل ديكوبراMichel Dekobra  (سيدة النائمين) وجيروم Jérôme وجون تارود Jean Tharaud وجورج ساند...الخ صار الأمر متقن حقيقة. إذن، مثال أناتول فرانس: "لم أشك لنقطة أن الحب سبب هذه الآلام"  "Je ne doutais point que l’amour causât ces douleurs.  "فهنا نرى بوضوح أن عنصري الجملة الرئيسي والتابع يقعان في نفس النسق، فهما ينتميان الواحد والآخر إلى السجل الرمزي، ولكن إذا قلت "لم أشك لنقطة أن الحب قد سبب هذه الآلام" "Je ne doutais point que l’amour ne causât ces douleurs " فإن الإحساس الذي تستمدونه من اللغة أن neتأتي لتقدم معها بعدًا... تأتي لتعطي لهذه "الآلام" قوة ولهذا السبب عافية، أليس كذلك؟ فبعد كل شيء فللحب هنا أن يسبب شيئًا آخر تمامًا، يوجد هنا عدم يقين، توجد افتراضية مفتوحة وهو فراغ يأتي هناك فيما يخص "هذه الآلام" إن أراد أن يؤكدها بقوة، وهو ما لا تعكسه عبارة أناتول فرانس، وعمومًا إن كان كتب هكذا فهذا يعني أنه أراد أن يكون الأمر هكذا.

 ولكن هذه عبارة لبيروPerrault  "الغابة الجميلة النائمة": لم نشك لنقطة أن الساحرة قد قامت ثانية بجولة هناك ". " On ne douta point que la fée n’eut encore fait là un tour.". ها هو شكل من تقديم ne هذه التي يسميها كتابنا خلافية والتي تعطي للجولة حدتها وهو بلا شك الذي أحاول بقوة إبرازه لكم والذي سيكون أكثر معنى إذا رأيتموه مباشرة.

 إذًا فما يتم نبذه يعود في الحقيقي، إنه من جنس الإجراء، جنس الموقف، الذي يكون متكررًا ومعتادًا والذي يحدد فشلنا إذا جاز لي القول. يوجد علم بيئة سيكون عليه أن يبتكر بالتحديد كل ما يجعلنا غير ملوثين مما يرجع في الحقيقي.

  فلنكن إذن متواضعين فيما يخص جحدنا واقتطاعتنا، وإداناتنا، فلنكن متواضعين ولنكن حريصين ولنكن متحفظين، واضعين في الاعتبار أن الميكانيزم الذي يدعمها يجعلنا ندفع دائمًا بشكل غير مقبول وبطريقة لا تسمح لنا أن ندير الذي يظل كالأخيولة التي نراها عند الذهاني، أي ذاك الاقتطاع قد يكون راديكاليًا و الذي يكون في نظام التخييل: شيء ما، حاجة ما والتي لها ...

ها هي، فيما يخص الكلام عن "نعم ولا"، ملاحظات لغوية-تحليل نفسية-عملية-عيادية-أخلاقية.....

ترجمة محمد درويش

محلل نفسي و عضو الجمعية الدولية اللاكانية

                                 

فهارس الترجمة

  • يورد ملمان مصطلح Verneinung كما هو بالألمانية أحيانًا ويترجمه أحيانًا أخرى الإنكار Dénégation ، وللحق توجد إشكالية في ترجمته يمكن اختصرها كالتالي: يوجد توجهين في ترجمة المصطلح يعكس كل منهما أرضيات نظرية وفلسفية متباينة. يبدأ الاتجاه الأول من جيمس ستراتشي  في ترجمته لمقال فرويد  إلى الانجليزية، فيستخدم لفظة Negation  أي النفي لتمييزها عن Verleugnen  التي تترجم غالبًا إنكار، ومن الغريب أنه يترجم هذه الأخيرة في نفس النص Disavowal  أي التنصل، وسار هنري هويسلي على نفس الدرب فقدم الترجمة الفرنسية الأولى للنص عن الألمانية مباشرة تحت عنوان Négation  أي النفي أيضًا، ويدافع بول ريكور الفيلسوف الفرنسي عن صحة هذه الترجمة فيقول ( إن كلمة Verneinung  عادة ما تشير إلى عكس Bejahung  وهكذا فإن ترجمة عنوان المقال هي ترجمة صحيحة فالمصطلح يشير ببساطة وعلى نحو خالص إلى معنى (لا) في مقابل (نعم) ).أما رواد مدرسة علم نفس الأنا وإن اتفقوا على استخدام نفس الترجمة فإن مبرراتهم إما شيدت على أساس التمييز بين النفي والإنكار كآليتين دفاعيتين منفصلتين، أو أن الاثنين يمكن تداولهما كمترادفين، أو أن النفي هو آلية عقلية في مقابل الإنكار كآلية دفاعية.                                                                                                     أما الاتجاه الآخر الذي تبناه  لاكان فيرى أن المقصود هو الإنكار، ذلك لأن Verneinung  ليست مقابل Bejahung  بل إن المقابل الصحيح هو Verwerfung ، التي كان يترجمها في البدء Retranchement  أي التحصن،  ثم لم يلبث أن أستخدم Foreclosure  بمعنى النبذ، وهو يبرر ذلك بأن  Verneinung  ترتبط أكثر بالكبت أما (Verwerfung  فتأتي لتقطع أي مظاهر للنظام الرمزي حيث يجد الحكم بالحملjudgement of attribution   جذوره، والذي ليس أكثر من الشرط الأزلي لكي يأتي شيء من الحقيقي ليطرح نفسه لإلهام الوجود، أو مستخدمين لغة هيدجر، To be let be أن ندع الكينونة تكون ). ويتفق هيبوليت تمامًا مع لاكان،  فيقول في تعليقه على مقال فرويد الذي قدمه بناء على طلب من لاكان في 29/4/1956 (لقد تعطف علي الدكتور لاكان بأن أرسل إلي  النص الألماني......و قد أدركت، محققًا نفس الاكتشاف الذي ذهب إليه الدكتور لاكان، أنه من الأفضل أن نترجمه الإنكار....و بالمثل فبالإضافة إلى ذلك ستجدون  etwas im Urteil verneinen   والتي ليست نفي شيء ما في الحكم و لكن نوع من إنكار حكم  Déjugement   وأعتقد أنه عبر هذا النص يجب التمييز بين النفي الداخلي للحكم وبين الاتجاه للنفي، لأنه كما يبدو لي لا يمكن أن نفهمه بطريقة أخرى)879-880.
  • لا يلتزم ملمان بالنص الأصلي و في الأغلب أنه كان يرتجل من الذاكرة، وإن لم يخرج أبدًا عن المعنى المقصود، والنص الأصلي كان كالتالي :(أو إذا قال "تسأل من قد تكون هذه الشخصية في الحلم، هي ليست أمي"، فإننا نعدل هذا إلى "إذن هي أمه"،  فنسمح لأنفسنا بتجاهل النفي في تفسيرنا وننتقي فقط المحتوى الخالص للفكرة Einfall  ، كما لو أن المريض قد قال "حقاً خطرت أمي على بالي و أنا أفكر في هذا الشخص لكني لا أميل للاعتداد بهذه الفكرة") .   
  • احتفظنا بالمثل بلفظة Bejahung كما هي في الألمانية كما فعلنا مع Verneinung .
  • في السيمينار الرابع للاكان عن العلاقة بالموضوع يوضح لاكان بوضوح أن مفهوم الموضوع عند فرويد كما يظهر في ثلاث مقالات في نظرية الجنسية ينبني على الفقد ومن ثم فهو مبحوث عنه بالضرورة سعيًا إلى لم الشمل وهو ما لا يمكن تحققه بالفعل، والحالات الثلاثة للفقد هذه هي ما يسميها لاكان كالتالي: الحرمان الحقيقي ويكون موضوعه رمزي، والإحباط المتخيل وموضوعه حقيقي، والخصاء الرمزي وموضوعه متخيل.
  • يستخدم لاكان مصطلحات الكائن المتكلم parlêtre والذات التي تتكلم sujet qui parle والذات المتكلمة sujet parlant ليشير إلى الذات المنقسمة بفعل اللغة الموجودة في الخارج ex-sistence أي في بين الدلالة inter-signifiance .
  • الفالوس: يميز لاكان بين القضيب  Pénis للإشارة إلى العضو البيولوجي الحقيقي والفالوس Phallus  للإشارة إلى وظائفه المتخيلة والرمزية.
  • لا الخلافية في اللسان الفرنسي تتشابه مع لا الزائدة لفظًا ومعنى في العربية، ومن العجيب أن نرى سبق الزمخشري على داموريت وبيشون، إذ يرى أن لا هذه والتي وردت في القرآن في أكثر من موضع منها سورة الأعراف الآية  12 في قوله تعالى (قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ۖ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ (12) وكذلك سورة الحديد الآية 29 في قوله تعالى (لِّئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَىٰ شَيْءٍ مِّن فَضْلِ اللَّهِ ۙ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29)، فائدتها توكيد معنى الفعل الذي تدخل عليه وتحقيقه، وهو ما كان هدفًا لكثير من النقد للعديد من نحاة العربية ومفسرين القرآن، فخارج إطار التحليل النفسي اللاكاني يصعب تقديم تفسير منطقي، إذ كيف يلتقي النفي والإثبات؟.
  • تُرجمت Foreclosure أيضًا بالارتهان وقد سبق أن بينا كيف يعمل النبذ بقطع كل صلة بين الدوال ومدلولاتها، وقد التزمنا بترجمتها النبذ تمشيًا مع ما هو شائع وإن كانت كلا الترجمتين لا تفي تمامًا بالمعنى المقصود.
  • تسنيير 1893-1954 لغوي فرنسي، له العديد من الأعمال في قواعد اللغات السلافية وقد وضع في كتابه عناصر النحو البنيوي نظرية أصيلة في النحو.
  • المقصود كتاب فرويد "ثلاث مقالات في نظرية الجنسية"
  • Pulsion هي الترجمة الفرنسية لمصطلح Trieb الذي استخدمه فرويد، وقد ترجم بالعربية بالغريزة تمشيًا مع ترجمة جيمس ستراتشي الإنجليزية، وهو خطأ دفع التحليل النفسي ثمنه فاكتسب صبغة بيولوجية مفرطة لم تكن في الكتابة الألمانية لنصوص فرويد.
  • ينتقل ملمان هنا من ضمير الفاعل إلى ضمير الغائب وفي أكثر من موضع يفعل ذلك.
  • المقصود هنا هو J. L. Austin  فيلسوف اللغة البريطاني 1911-1960 ولا أعرف على وجه اليقين إن كان المقصود كتابه "كيف تفعل أشياء بالكلمات" How to do things with words ? " وهو عبارة عن مجموعة محاضرات ألقيت في   1955.
  • يوجد حوار متبادل مع القاعة غير مسجل
  • رجل الجرذان هي إحدى الحالات الكلاسيكية التي قدمها فرويد لمريض يعاني من الوسواس القهري في مقاله " ملاحظات عن حالة عصاب وسواسي" 1909
  • توجد عبارة لم تدون

Espace personnel

Cookies ?

Nous utilisons des cookies sur notre site web. Certains d’entre eux sont essentiels au fonctionnement du site et d’autres nous aident à améliorer ce site et l’expérience utilisateur (cookies traceurs). Ces cookies ne contiennent pas de données personnelles.

Vous pouvez décider vous-même si vous autorisez ou non ces cookies. Merci de noter que, si vous les rejetez, vous risquez de ne pas pouvoir utiliser l’ensemble des fonctionnalités du site. A tout moment, il vous est possible de rectifier votre choix sur la page des politiques de confidentialités du site.